الغريق – قصة : مسلم السرداح
سقط
الرجل في النهر .اُدخل جسدُه في طيات موجة . احتضنته وراحت تتدحرج به ،
مثل كرة بيد طفل يلعب بها . عابرة به الى الضفة الاخرى , وهناك تم القاء
القبض عليه . اقتادوه إلى التحقيق , وكان تناهى إلى سمعه منذ زمن بعيد ,
مقدار العنف الذي يصاحب التحقيق الذي تمارسه السلطات في تلك الضفة .
يسملون العيون ، يخنقون الحناجر يكممون الأفواه , يشوون الأرجل ، ويحرقون الجلود .
كان يرتعد خوفا , ليس من العقاب بعينه رغم عنفه بل من مداه الذي سوف يستمر
الى الابد . إلى ما لا نهاية . وراح يفكر في هذه الكلمات الاخيرة التي تشبه
الرياضيات , حين قاطعه المحقق قائلا له :
- لماذا ألقيت بنفسك في النهر ، فانتحرت ؟ - هل من الضروري أن أجيب ؟
اليست هي نفسي ومن حقي ان امضي بها الى بر امانها المريح لها ؟ كانت لديه
بعد شجاعة القدرة على الإجابة .
- أي أمان وأنت قتلت نفسك ؟ . هل تعتقد ان نفسك هي ملكك ؟
- أنا لم اقتل نفسي ولم اقتل أحدا , أنا أردت ان اناى بروحي خارج عذاب
جسدها , ذلك الجسد المتهالك المتعب الذي يستحق القتل بيدي أنا لا بيد احد
غيري . لقد عذب روحي فاستحق لأجل ذلك القتل .
تذكر محاكمات كثيرة انتصر فيها المتهم على جلاديه , فاراد ان يسلك ذلك
السبيل . ولذلك راح يوضح افكاره التي كان يملكها قبل سقوطه في النهر , قال
:
- هل تسمحون لي ان اوضح افكاري , ان عندي وجهة نظر . اذا كنتم مصرين على
اعتقالي وحبسي , فاعطوني الفرصة لادافع عن نفسي ان لم تكونوا في عجلة من
امري .
لم يسمحوا له , اخبروه ان لديهم معلومات محددة يريدون استخلاصها منه وانهم
يعرفون كل شيء وان من ياتي الى الجهة التي هم فيها واحد من اثنين اما عارف
واما مغفل , والعارفون خير من المغفلين , وان القانون لايحمي المغفلين .
أما العارفين فإنهم يشددون إجراءاتهم عليهم حين لا يلتزمون بالحدود
المفروضة حتى لو كانت خارج ارادتهم . وسا لوه من أيهما هو ؟ قال انه لايعرف
لغاية الآن ، لان الأوراق مختلطة لديه في هذه اللحظة ، لأنه خائف .
لم يطمئنه احد عن خوفه، فبدا له وكأنه ماثل أمام واحدة من محاكم التفتيش الكبرى .
أراد أن يدافع عن نفسه فمنعوه .
أشبعوه ركلا وحرقا وتمزيقا وضربا , فتاكدت فكرته عنهم .
أراد أن يدافع عن حقوقه , قراوا عليه حقوقه فسكت على مضض .
أراد أن يخبرهم عن مظلوميته . فاخبروه ان الجميع هنا متساوون وليس من ظالم
او مظلوم .وان هذه المصطلحات انتهت منذ اللحظة التي ألقى نفسه فيها في
النهر .
صرخ بصوت عال :
ـ أنا كنت مظلوما في ذلك الجانب من النهر , وليس في جانبكم هذا .
فأجابوه بعد اللوم والتقريع . ان المسؤول عن الضفتين واحد .
اخبرهم , انه يدري ان المسؤول عن الضفتين واحد , ولكن الضفة التي جاء منها
تتسم بالظلم والتعسف وانه انما جاء الى هنا للخلاص . ثم وبشيء من التملق ,
قال لهم انه يدري ان الظلم والتعسف جاءا ليس من المسؤول نفسه بل من اولئك
الذين امسكوا بالمقاليد عنوة . وانهم لم يلتزموا ولو بحرف واحد من تعاليم
المسؤول الكبير السمحاء . وهو هنا يريد من ينصفه .
قال لهم :
- أرجو أن تهملوني مثل جندي مفقود من جبهة القتال ، لا احد يعلم مكان وجوده ، وفيما إذا كان حيا .
عادوا عليه مرة اخرى بالركل والاهانة والتعذيب والحرق , مزقوا جسده مرات
اخرى ومرات وكان في كل مرة يعود من جديد بعيون وفم ومشاعر . فاتهموه
بالبلادة لان لا احد يخرج عن ارادة الكبير . وليس من داع للكلام الكثير .
جاهد وجاهد في الكلام والصياح وا لصراخ مرات ومرات ولكن دون جدوى . ذلك
انهم وضعوا امامه مجموعة من الشهود العدل والبراهين الدامغة .
وقفت أمامه يداه وشهدتا ضده , باصابعهما العشرة ، رغم انه لايمتلك غير تسعة
اصابع عندما سقط في النهر , وبتر هو عن عمد سبابته اليمنى منذ زمن بعيد
عندما كان جنديا في الجيش . وكان الغرض من ذلك , ليسرحوه من الخدمة
العسكرية , بحجة انه لم يعد مسلحا ، لأنه لايستطيع إطلاق الرصاص أو التصويب
الجيد من كانت سبابته اليمنى مقطوعة , وحسب القوانين السارية في الجيش
يجب في هذه الحالة أن يسرح . ولكن كان ذلك دون جدوى , إذ لم تشفع له حتى
قوانين الخدمة , بحجة انه تعمد ذلك ولان الدولة في حالة حرب ، فسجن ولم
يسرح .
شهد ضده كذلك كل شيء كان يحسبه له ويعتقد انه سينحاز إليه ، لاضده ، عيناه ورجلاه وفمه ، حتى افكاره واحلامه وامانيه .
كلها شهدت ضده ، حتى رغباته التي كانت تدور في خلده والتي لم يستطع تنفيذ
اية واحدة منها بسبب الاحباط . ولذلك ولأجل أن يخلص نفسه ، قال لهم :
ـ كنت في حالات اليأس تدور في ذهني افكارٌ مضحكة , اتبرأ منها الآن .
ثم سحب نفسه بعيدا عنهم وهو المحاصر في باحته الضيقة ليتقي التعذيب الموجه لجسده . قال لهم :
ـ إن كل ما تفعلونه الآن هو ضد روحي . انه مؤامرة .
لقد حاولوا قتل روحي في تلك الضفة فالقيت بها في النهر . وها انتم الآن تعاودون الكرة معي , مرة اخرى .
اتهمهم بصوت عال وهو يصرخ , معتقدا ان الصراخ العالي وسيلة لايقاف عذاباتهم له . وليوضح لهم ما بداخله قال :
ـ كنت هناك مظلوما . فقيرا معدما , خجولا ضحية جسدي الضعيف النحيل ومجتمع
لايرحم وبيئة وضعتني هدفا لاجراء تجاربها في التلوث , وكنت ضحية للقمع بسبب
آرائي السياسية . ثم اضاف :
ـ إني الآن , أريد السلام لروحي لا لجسدي الذي القيت به في النهر . اردت التخلص منه فعاد لي مرة اخرى .
سألوه عن شهادة الشهود وكانت تناهت الى سمعه منذ ان كان في الضفة الاولى
بان العدل يسمح له ان يبدي وجهة نظره بكل حرية ولكنه اصبح محبطا الان امام
ماراه بعينه والذي يزيد عن ذلك العنف الذي مارسوه ضده في الضفة التي هرب
منها . وحين اراد الشكوى من المحنة تلك إضافة إلى محنته الحالية قالوا له :
ـ إنها العدالة .
ـ أية عدالة تلك التي وضعتني في ذلك المكان معذبا مهزوما . شاعرا بالغبن
الازلي , من طموحاتي التي لم تتحقق وافكاري التي في راسي التي لم استطع
يوما البوح بها , امام ذلك المنظر الهزلي لما كان يحدث هناك . واشار بيده
وكانه يرى الجانب الآخر من النهر .
قالوا له :
ـ انه الواقع .
ـ أي واقع هو هذا ؟ اناس يتحكمون بآخرين والويل كل الويل بمن يخالفهم .
انهم يستخدمون كل وسائل التنكيل اكثر منكم وخصوصا أولئك المتدينون
السياسيون الذين يدافعون عن الله أكثر من الله نفسه . ثم اضاف بعد ان وجدها
فرصة للبوح لهم عما كان يدور في ذهنه :
ـ لقد جعلوا من حياتنا مجموعة من القوائم مملوءة بالممنوعات فقط . انهم
بجهلهم دمروا الحياة ولم يعد لها من معنى . ذلك انهم تدخلوا في كل شيء حتى
في الاتجاه الذي يمارس الانسان الجنس حين ينام فيه , يجب وأنت تمارس الجنس
أن تنام هكذا وان لاتنام هكذا وان تأخذ بعين الاعتبار حتى وان كنت مغطى ،
إن أمامك القبلة وأضرحة الأولياء . فصدقتهم حتى زوجتي . وراحوا يتدخلون فيه
بقوانين الوراثة . اساءوا للعالم مندل ,اذا اردت المولود ولدا فاقرا
الطلسم الفلاني واذا اردت ان تكون عيونه زرقاء او خضراء فعليك بالطلسم
الآخر . هكذا اباحوا للجهل ان ينتشر . كما ووضعوا قوانينا للسرقة واخرى
للفساد وأباحوا لأنفسهم الزنا وذبح النساء بشروط بسيطة وعلى الظن . وقتلوا
النفس المحرمة دفاعا عما يسمونه القيم . وسكت .
احس بنفسه كمن ينفخ في قربة مثقوبة . واحس ان الزمن وصياحه بصوت عال يمران دونما جدوى .
وأخيرا قال لهم , انه بحث عن فرصته في الحياة ولم يجدها .
وحين وجد إن النهر الجميل واهب الحياة صار سببا لعذاباته , راح يهز يده سخرية وامتعاضا من التعاليم الهزيلة .
إثناء ذلك اكتشف انه كان صافنا يستمع دون أن يشعر ، إلى مجموعة من
التعاليم السمجة يلقيها أثناء قيلولته روزخون كان قد مد رأسه من جهاز
التلفاز .
سقط
الرجل في النهر .اُدخل جسدُه في طيات موجة . احتضنته وراحت تتدحرج به ،
مثل كرة بيد طفل يلعب بها . عابرة به الى الضفة الاخرى , وهناك تم القاء
القبض عليه . اقتادوه إلى التحقيق , وكان تناهى إلى سمعه منذ زمن بعيد ,
مقدار العنف الذي يصاحب التحقيق الذي تمارسه السلطات في تلك الضفة .
يسملون العيون ، يخنقون الحناجر يكممون الأفواه , يشوون الأرجل ، ويحرقون الجلود .
كان يرتعد خوفا , ليس من العقاب بعينه رغم عنفه بل من مداه الذي سوف يستمر
الى الابد . إلى ما لا نهاية . وراح يفكر في هذه الكلمات الاخيرة التي تشبه
الرياضيات , حين قاطعه المحقق قائلا له :
- لماذا ألقيت بنفسك في النهر ، فانتحرت ؟ - هل من الضروري أن أجيب ؟
اليست هي نفسي ومن حقي ان امضي بها الى بر امانها المريح لها ؟ كانت لديه
بعد شجاعة القدرة على الإجابة .
- أي أمان وأنت قتلت نفسك ؟ . هل تعتقد ان نفسك هي ملكك ؟
- أنا لم اقتل نفسي ولم اقتل أحدا , أنا أردت ان اناى بروحي خارج عذاب
جسدها , ذلك الجسد المتهالك المتعب الذي يستحق القتل بيدي أنا لا بيد احد
غيري . لقد عذب روحي فاستحق لأجل ذلك القتل .
تذكر محاكمات كثيرة انتصر فيها المتهم على جلاديه , فاراد ان يسلك ذلك
السبيل . ولذلك راح يوضح افكاره التي كان يملكها قبل سقوطه في النهر , قال
:
- هل تسمحون لي ان اوضح افكاري , ان عندي وجهة نظر . اذا كنتم مصرين على
اعتقالي وحبسي , فاعطوني الفرصة لادافع عن نفسي ان لم تكونوا في عجلة من
امري .
لم يسمحوا له , اخبروه ان لديهم معلومات محددة يريدون استخلاصها منه وانهم
يعرفون كل شيء وان من ياتي الى الجهة التي هم فيها واحد من اثنين اما عارف
واما مغفل , والعارفون خير من المغفلين , وان القانون لايحمي المغفلين .
أما العارفين فإنهم يشددون إجراءاتهم عليهم حين لا يلتزمون بالحدود
المفروضة حتى لو كانت خارج ارادتهم . وسا لوه من أيهما هو ؟ قال انه لايعرف
لغاية الآن ، لان الأوراق مختلطة لديه في هذه اللحظة ، لأنه خائف .
لم يطمئنه احد عن خوفه، فبدا له وكأنه ماثل أمام واحدة من محاكم التفتيش الكبرى .
أراد أن يدافع عن نفسه فمنعوه .
أشبعوه ركلا وحرقا وتمزيقا وضربا , فتاكدت فكرته عنهم .
أراد أن يدافع عن حقوقه , قراوا عليه حقوقه فسكت على مضض .
أراد أن يخبرهم عن مظلوميته . فاخبروه ان الجميع هنا متساوون وليس من ظالم
او مظلوم .وان هذه المصطلحات انتهت منذ اللحظة التي ألقى نفسه فيها في
النهر .
صرخ بصوت عال :
ـ أنا كنت مظلوما في ذلك الجانب من النهر , وليس في جانبكم هذا .
فأجابوه بعد اللوم والتقريع . ان المسؤول عن الضفتين واحد .
اخبرهم , انه يدري ان المسؤول عن الضفتين واحد , ولكن الضفة التي جاء منها
تتسم بالظلم والتعسف وانه انما جاء الى هنا للخلاص . ثم وبشيء من التملق ,
قال لهم انه يدري ان الظلم والتعسف جاءا ليس من المسؤول نفسه بل من اولئك
الذين امسكوا بالمقاليد عنوة . وانهم لم يلتزموا ولو بحرف واحد من تعاليم
المسؤول الكبير السمحاء . وهو هنا يريد من ينصفه .
قال لهم :
- أرجو أن تهملوني مثل جندي مفقود من جبهة القتال ، لا احد يعلم مكان وجوده ، وفيما إذا كان حيا .
عادوا عليه مرة اخرى بالركل والاهانة والتعذيب والحرق , مزقوا جسده مرات
اخرى ومرات وكان في كل مرة يعود من جديد بعيون وفم ومشاعر . فاتهموه
بالبلادة لان لا احد يخرج عن ارادة الكبير . وليس من داع للكلام الكثير .
جاهد وجاهد في الكلام والصياح وا لصراخ مرات ومرات ولكن دون جدوى . ذلك
انهم وضعوا امامه مجموعة من الشهود العدل والبراهين الدامغة .
وقفت أمامه يداه وشهدتا ضده , باصابعهما العشرة ، رغم انه لايمتلك غير تسعة
اصابع عندما سقط في النهر , وبتر هو عن عمد سبابته اليمنى منذ زمن بعيد
عندما كان جنديا في الجيش . وكان الغرض من ذلك , ليسرحوه من الخدمة
العسكرية , بحجة انه لم يعد مسلحا ، لأنه لايستطيع إطلاق الرصاص أو التصويب
الجيد من كانت سبابته اليمنى مقطوعة , وحسب القوانين السارية في الجيش
يجب في هذه الحالة أن يسرح . ولكن كان ذلك دون جدوى , إذ لم تشفع له حتى
قوانين الخدمة , بحجة انه تعمد ذلك ولان الدولة في حالة حرب ، فسجن ولم
يسرح .
شهد ضده كذلك كل شيء كان يحسبه له ويعتقد انه سينحاز إليه ، لاضده ، عيناه ورجلاه وفمه ، حتى افكاره واحلامه وامانيه .
كلها شهدت ضده ، حتى رغباته التي كانت تدور في خلده والتي لم يستطع تنفيذ
اية واحدة منها بسبب الاحباط . ولذلك ولأجل أن يخلص نفسه ، قال لهم :
ـ كنت في حالات اليأس تدور في ذهني افكارٌ مضحكة , اتبرأ منها الآن .
ثم سحب نفسه بعيدا عنهم وهو المحاصر في باحته الضيقة ليتقي التعذيب الموجه لجسده . قال لهم :
ـ إن كل ما تفعلونه الآن هو ضد روحي . انه مؤامرة .
لقد حاولوا قتل روحي في تلك الضفة فالقيت بها في النهر . وها انتم الآن تعاودون الكرة معي , مرة اخرى .
اتهمهم بصوت عال وهو يصرخ , معتقدا ان الصراخ العالي وسيلة لايقاف عذاباتهم له . وليوضح لهم ما بداخله قال :
ـ كنت هناك مظلوما . فقيرا معدما , خجولا ضحية جسدي الضعيف النحيل ومجتمع
لايرحم وبيئة وضعتني هدفا لاجراء تجاربها في التلوث , وكنت ضحية للقمع بسبب
آرائي السياسية . ثم اضاف :
ـ إني الآن , أريد السلام لروحي لا لجسدي الذي القيت به في النهر . اردت التخلص منه فعاد لي مرة اخرى .
سألوه عن شهادة الشهود وكانت تناهت الى سمعه منذ ان كان في الضفة الاولى
بان العدل يسمح له ان يبدي وجهة نظره بكل حرية ولكنه اصبح محبطا الان امام
ماراه بعينه والذي يزيد عن ذلك العنف الذي مارسوه ضده في الضفة التي هرب
منها . وحين اراد الشكوى من المحنة تلك إضافة إلى محنته الحالية قالوا له :
ـ إنها العدالة .
ـ أية عدالة تلك التي وضعتني في ذلك المكان معذبا مهزوما . شاعرا بالغبن
الازلي , من طموحاتي التي لم تتحقق وافكاري التي في راسي التي لم استطع
يوما البوح بها , امام ذلك المنظر الهزلي لما كان يحدث هناك . واشار بيده
وكانه يرى الجانب الآخر من النهر .
قالوا له :
ـ انه الواقع .
ـ أي واقع هو هذا ؟ اناس يتحكمون بآخرين والويل كل الويل بمن يخالفهم .
انهم يستخدمون كل وسائل التنكيل اكثر منكم وخصوصا أولئك المتدينون
السياسيون الذين يدافعون عن الله أكثر من الله نفسه . ثم اضاف بعد ان وجدها
فرصة للبوح لهم عما كان يدور في ذهنه :
ـ لقد جعلوا من حياتنا مجموعة من القوائم مملوءة بالممنوعات فقط . انهم
بجهلهم دمروا الحياة ولم يعد لها من معنى . ذلك انهم تدخلوا في كل شيء حتى
في الاتجاه الذي يمارس الانسان الجنس حين ينام فيه , يجب وأنت تمارس الجنس
أن تنام هكذا وان لاتنام هكذا وان تأخذ بعين الاعتبار حتى وان كنت مغطى ،
إن أمامك القبلة وأضرحة الأولياء . فصدقتهم حتى زوجتي . وراحوا يتدخلون فيه
بقوانين الوراثة . اساءوا للعالم مندل ,اذا اردت المولود ولدا فاقرا
الطلسم الفلاني واذا اردت ان تكون عيونه زرقاء او خضراء فعليك بالطلسم
الآخر . هكذا اباحوا للجهل ان ينتشر . كما ووضعوا قوانينا للسرقة واخرى
للفساد وأباحوا لأنفسهم الزنا وذبح النساء بشروط بسيطة وعلى الظن . وقتلوا
النفس المحرمة دفاعا عما يسمونه القيم . وسكت .
احس بنفسه كمن ينفخ في قربة مثقوبة . واحس ان الزمن وصياحه بصوت عال يمران دونما جدوى .
وأخيرا قال لهم , انه بحث عن فرصته في الحياة ولم يجدها .
وحين وجد إن النهر الجميل واهب الحياة صار سببا لعذاباته , راح يهز يده سخرية وامتعاضا من التعاليم الهزيلة .
إثناء ذلك اكتشف انه كان صافنا يستمع دون أن يشعر ، إلى مجموعة من
التعاليم السمجة يلقيها أثناء قيلولته روزخون كان قد مد رأسه من جهاز
التلفاز .